من
يتأمل التقرير الذي أصدرته منظمة اليونيسيف والذي كان حول "الرصد العالمي
لتوفير التعليم للجميع " والذي حمل عنوان "عدم المساواة في التعليم: أهمية
الحوكمة" التقرير بحد ذاته لم يكن مفاجأة، وهو الذي تمت فيه قراءة الواقع
دون تجميل أو تحسين، إنما المحزن فيه هو وجود العالم العربي من ضمن الدول
التي تتصدر القائمة بانتشار الأمية، ووجود أطفال لم يلتحقوا في التعليم
النظامي بعد!! عندما
تتأمل الخطاب المحلي الطموح في تطوير التعليم، وتسبح في مخيلات "مجتمع
المعرفة" و"التعليم الإلكتروني" و"التعليم عن بعد"، وتعيش في رحاب هذه
المصطلحات الطموحة، لا تنفك أن تصحو على صوت الواقع المحزن الذي يخبرك عن
وجود أطفال تجاوزوا سن الثانية عشرة من فتيان وفتيات، ولم يلتحقوا بعد في
الدراسة النظامية ولو في مراحل التعليم الأولية. إن جميع سياسات التعليم
تلزم الجميع بالتعليم وبوجوب الالتحاق به، بل وقبل ذلك النصوص الشرعية
والتشريعية التي كانت صريحة في أهمية التعلم والتعليم للفرد.
ففي
المادة الثانية عشرة من "عهد حقوق الطفل" الذي أقرّه المؤتمر الإسلامي
التاسع لوزراء الخارجية كانت المادة فيه كالتالي "لكل طفل حق في التعليم
المجاني الإلزامي الأساسي... وعلى الدول الأطراف توفير التعليم الأساسي
الإلزامي مجاناً لجميع الأطفال على قدم المساواة".وكذلك
في المادة (41) الفقرة الثانية من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وكذلك في
المادة التاسعة في إعلان القاهرة، وغيرها من الأنظمة والاتفاقات المحلية
والعالمية. لاشك
أن من أول وأولى الخطوات الحقيقية في إصلاح الأنظمة التعليمية, يتطلب
الوقوف على النسب الحقيقية للأطفال الذين لم يتلقوا تعليمهم الرسمي. إن
النهوض في التعليم يتطلب البحث عن هؤلاء الأطفال الذين يقبعون في الظلام،
ويخضعون تحت استغلال أشخاص أو مؤسسات ليتم استثمارهم مادياً ومهنياً! لن
يتطور التعليم في العالم العربي حتى نقوم بملء تلك المقاعد الفارغة لأطفال
حُرموا فك الحرف ومعرفة الرقم، من أجل أوراقٍ ثبوتية تنقص سجلاتهم
الرسمية.إن
نسب المتخلفين عن التعليم والمتسربين والمنقطعين عن مواصلة تعليمهم
الأولي، فضلاً عن أرقام الأميين التي تزيد وتنقص، لهي التحدي الحقيقي
للمهتمين بإصلاح التعليم العربي عموماً وتعليمنا المحلي خصوصاً.لاشك
أن التغاضي عن هذه المشكلة الحقيقية هو سبيل إلى مشاكل وفروع أخرى كثيرة.
إن الأطفال الذين يقبعون خارج أسوار المدرسة هم الأطفال الذين يُمارس عليهم
ما يُسمّى "الإتجار بالأطفال" سواءٌ من خلال العمالة أو التهريب أوغيرها
من الممارسات المشبوهة. ليس من التكامل التنموي- ولا من العدل الشرعي
والإنساني قبل ذلك- أن يقتصر التعليم على طبقة ميسورة، سواءٌ كانت طبقة
غنية أو طبقة متوسطة. مازال بعض الأطفال يسكنون حول المدرسة، وينظرون إليها
كأنها بنايات إسمنتية صماء لا تعني لهم شيئاً.عندما نسعى إلى رقي المجتمع
العربي وتكامله وتنميته فلن نستطيع أبداً أن ننفك من مبدأ التعليم الشامل
لجميع الأفراد وإلزاميته الحقيقية على الكبار والصغار. إن
مبدأ "المساواة في التعليم" من أهم الحقوق والمحكات التي ينبغي على عالمنا
العربي والإسلامي تنسيق الجهود، وسد الخلل فيها ليصل التعليم إلى القرية
قبل المدينة.
مروان بن صالح الصقعبي
عضو برنامج الأمان الأسري الوطني وباحث في حقوق الطفل