حماية المرأة من العنف الاسري حق مكفول للمرأة في كل الشرائع و الثقافات و عبر الحضارات، فالمرأة أساس المجتمع و بدون حمايتها و الحفاظ علي حقوقها لن يكون لدينا مجتمع متوازن نفسيا و اجتماعيا و صحيا أيضا.
و لقد كفل شرعنا ومن ثم حكومتنا كل ما يضمن حقوقها و حمايتها والحفاظ علي أمنها و سلامتها و كرامتها و كل ما يدعمها نفسيا و اجتماعيا، و من ضمن القرارات و الاجراءات و الاصلاحات التي تمت و تصب في مصلحة المرأة: كان نظام الحماية من العنف الاسري و الذي نص علي كثير من البنود التي تكفل الحماية لها و معاقبة المعنف و المتجاوز في حقها. بالإضافة الي وضع آليات و اجراءات و قطاعات مسئولة عن تسهيل مهمة وصول المرأة لبر الامان و لا نغفل الجانب التوعوي الذي تقوم به جميع القطاعات لتعريف المرأة بحقوقها الشرعية و القانونية و الاجتماعية و كيفية المطالبة بها بما لا يتعارض مع الشرع أو المعايير العامة للمجتمع، و لكن هل كل ما سبق يكفي لنعتبر أن المرأة السعودية قد و صلت لدرجة عالية من الحماية و الأمان بعد الله من تجاوز الاخر عليها بحكم سلطته أو درجة قرابته أو مدي وصايته عليها وعدم استغلاله لهذه الوصاية بشكل سيئ .
للأسف الاجابة لا ... فكل ما سبق لن يوقف التجاوز و الايذاء علي المرأة بشكل نهائي بصفة عامة لأن القوانين تؤطر و تحجم التجاوز و لا توقفه و أيضا بصورة خاصة لن يتوقف ما دامت المرأة لا تستطيع فك او التخلص من الرابط الذي يعلقها بالمستغل.
وغالباً ما يعتبر الرابط الاقتصادي في مجتمعنا هو الرابط الأساسي لطيف كبير من النساء ، فنسبة كبيرة من النساء مرتبطة اقتصاديا بالوصي سواء زوج أو أخ أو أب أو حسب درجة القرابة و لا يوجد لديها مصدر رزق آخر يذك. و لا نغفل انه أيضا و في أكبر الدول المتقدمة ما زالت المرأة تعاني من هذا القيد و تواجه جميع قطاعات الحماية برفضها الابتعاد عن المعنف أو بمعني أصح بالتستر عليه. و ذلك بإجبار ضمني
و السبب في ذلك يعود لعامل مهم تغفل عنه كل الآليات و الاجراءات الخاصة بالحماية أو لا يولي الاهتمام اللازم به و هو الـ (التمكين الاقتصادي) و المقصود من التمكين الاقتصادي هو تسهيل و وصول المرأة لموارد مادية تتناسب و ظروفها و تمكنها من بناء منظومة اجتماعية آمنة تعيش بها دون الاعتماد علي مصدر رزق آخر يؤثر علي قراراتها الحياتية .بالإضافة إلى تمكينها من حقوقها المالية و مواردها التي كفلها لها المشرع و القانون و غالبا يتم السيطرة عليها أو حرمانها منها كالورثة أو مخصصاتها المالية في عمل تقوم به.
فمن السهل توعية المرأة بحقوقها القانونية و أيضا من السهل حصولها علي الانفصال عن الزوج مثلا بالطلاق و ايضا كسب حضانة اطفالها و لكن السؤال هنا اذا حدث هذا الامر فماذا بعد كيف ستعيش هذه المرأة ان لم تكن ممكنة اقتصاديا لتغطي نفقاتها و نفقات ابناءها فنحن بصورة واقعية نعلم انها لابد انها ستتردد الاف المرات قبل ان توافق علي الانفصال وعلى استعداد لاحتمال أي ايذاء مقابل توفير حياة كريمة لأبنائها و لها ايضا ،،، و نقيس علي ذلك الاخت التي تحت سلطة أخ و ليس لديها عائل آخر أو مصدر رزق و الامثال عديدة.
فلا يكفي أن ندعمهم نفسيا و نمكنهم من حقوقهم القانونية و أن نتغافل او لا نتنبه لأهمية التمكين الاقتصادي فما زالت المرأة قادرة علي اعالة نفسها و الاكتفاء اقتصاديا بالتالي هي قادرة على المطالبة بحقوقها القانونية و بالتالي هي قادرة علي الابتعاد او اتخاذ قرار الابتعاد عن مكان الايذاء وإعادة بناء كيانها النفسي و الاجتماعي.
فالتعريف و التوعية النفسية و القانونية و التوعية بأهمية الحماية من الايذاء تصبح بلا قيمة حقيقة اذا لم ترتبط بعمل جدي صحيح علي أرض الواقع و بتمكينها اقتصاديا من خلال مصدر دخل ثابت و أساسي بعمل يضمن للمرأة الاستقلال و الاستفادة من إمكانياتها قدراتها النفسية و العقلية و المهنية و لكن لابد أن نؤكد على أن التمكين الاقتصادي بدون آليه صحيحة و واضحة و خطط استراتيجية علي المدى البعيد لن ينجح في دعم المرأة و حمايتها لذلك لابد من اشتراطات تساعد في انجاح هذا العامل منها:
· لابد أن تتعاون كل القطاعات لدعم هذا العامل المهم لحماية المرأة من خلال تخصيص وظائف معينة بتسهيلات تتناسب و ظروف هذه الفئة.
· دعم المشاريع الصغيرة و تفعيل و تنظيم عمل الأسر المنتجة و بمحاولة عمل نظام ربط بين الأسر المنتجة و خطوط الانتاج الكبرى حتى لا تتشتت الجهود، فكلما قدمنا عمل يتناسب مع الاحتياج الحقيقي للسوق كلما أسسنا قاعدة سليمة.
· تدريب القادرات على مزاولة أعمال مختلفة حسب الامكانيات و المرجعيات العلمية و الاجتماعية للضحايا.
اخيرا الحماية من الايذاء عبارة عن منظومة متكاملة من عوامل القوة و الضعف و التحديات يجب أن يتم دراستها بشكل كامل و من كل القطاعات المعنية لنقدم خدمات تتناسب مع الأهداف.
سميرة خالد الغامدي
أخصائية نفسية اكلينيكية
عضو مؤسس -جمعية حماية الأسر الخيرية