إن
التعامل مع أي ظاهرة اجتماعية يقتضي معرفة أسبابها والقضاء على جذورها،
ومن ذلك مشكلة العنف الأسري مع الأطفال في حال انفصال الزوجين – بطلاق أو
خلع أو فسخ- وهو ما راح ضحيته عشرات الأطفال ..وبسبري
لهذه الظاهرة؛ أكاد أجزم أن السبب الرئيس في ذلك هو سببٌ قانوني، وهو
تنازع حضانة الأطفال في المحاكم وعدم وجود نصوص مقننة في هذا الأمر .فلا
بد من إعادة النظر في الطريقة التي تتم بها الحكم بحضانة الأطفال عند
تنازع الأبوين عليهم، وخصوصاً في هذا الزمان الذي أصبحنا نقف حائرين من
كثرة تلك الأخبار المفجعة التي يروح ضحيتها فتياتٌ في عمر الزهور إشباعاً
لرغبة انتقامية مريضة من قبل أشخاص لم يردعهم دينٌ أو خُلق، ولم تعرف
الرحمة لقلوبهم طريقاً.وإن
كنتُ صراحةً لا ألقي اللوم على القضاة بقدر ما ألقي اللوم على وزارة العدل
في عدم الاستعانة بالخبراء لكتابة التقارير ورفعها للقضاة قبل الحكم
بالحضانة للزوج أو طليقته.
فلماذا
لا يكون في كل محكمة عددٌ من الباحثين الاجتماعيين والمتخصصين بالشريعة
وعلم النفس والإجرام للوقوف على حالة هذا الأب أو الأم الطالب للحضانة
ودراسة حالته من واقع حياته الاجتماعية في حيّه، وسكنه، وعمله، ومسجده،
وعلاقاته الاجتماعية مع زملائه في العمل، وبينه وبين جيرانه في السكن،
والنظر في صحيفة سوابقه.. ألخ.ثم بعد التأكد من واقعه يتم كتابة تقرير يرفع للقاضي، ويكون مستنداً للحكم بالحضانة من عدمها.وليس
في هذا ما يخالف الأنظمة أو التعليمات؛ بل نص نظام المرافعات الشرعية في
المادة (137) على أنه: (يجوز لوزير العدل أن يعيّن موظفين يتفرغون لبعض
أعمال الخبرة لدى المحاكم( .فما
المانع إذن من الاستعانة بمَنْ ذكرنا للتأكد من صلاحية الأب أو الأم
للحضانة من عدمها؟؟ وكم من امرأة عانت من زوج مدمن أو مريض أو معتوه طلبت
الخلع منه ثم بدأت معاناتها في طلب النفقة والحضانة، وإقناع القاضي بعدم
صلاحية مطلقها للحضانة، ومماطلته في أداء النفقة.وهل
تستطيع النساء - المبتليات بأزواج مرضى - وخصوصاً في ظل تعاطي هذه السموم
التي تؤثر في العقول، والإدمان على المسكرات والكحول، وفي ظلِّ تلك
الضغوطات النفسية التي يعيشها البعض لظروف مالية أو نفسية أو اجتماعية
فيفقدون السيطرة.. ويختّل عندهم التوازن.. هل تستطيع النساء إثبات صلاحية ذلك الأب للحضانة من عدمها؟؟وما
الآلية المتبعة اليوم لدى القضاة للتأكد من صلاحية ذلك الأب أو الأم
للحضانة؟؟ وهل هناك خصوصية لتلك القضايا في الاستعجال في النظر فيها أم
لا؟؟ .
وإن
كنا لنرغب في افتتاح أقسام نسائية في محاكم الأحوال الشخصية يكون دورها في
استقبال المرأة المشتكية، وسماع دعواها وتحريرها، ثم عرضها على القاضي؛ إذ
لا يمكن للمرأة - بطبيعتها - أن تفصح عن بعض ما يدور في واقعها من مشاكل،
فمشاكل الزوجية وما يدخل في نطاقها من العيوب الخلقية لدى الزوج الموجبة
للفسخ، وما يترتب عليها من النفقة، وحضانة الأولاد في حال وجودهم، ومشكلة
العضل والمنع من الزواج أو تأخيره بسبب تسلط ذلك الولي الظالم؛ قد لا
تستطيع المرأة أن تبثّ تفاصيل شكواها تلك مباشرة أمام رجل غريب عنها.كما
أن على وزارة العدل الدور الكبير في دراسة مسائل الحضانة، والنظر في
الاجتهادات الفقهية المناسبة لهذا العصر، من قبل مجموعة من المختصين ممن
مارسوا العمل وعايشوا هموم المجتمع، وتقنين هذه القواعد بمواد قانونية
واضحة تكون نبراساً للقضاة في حكمهم، وسبباً لاطمئنان الجمهور لعدلهم، لكي
نقضي على هذا الاضطراب في هذه المسألة الحساسة المهمة .. والله من وراء
القصد .
محمد بن عبد العزيز المحمود
مستشار قانوني
عضو برنامج الأمان الأسري