من منظور نفسي
تطورات التفسيرات المختلفة اتجاه السلوك العدواني على مر الأزمان، ففي الماضي كان ينظر لأي سلوك منحرف شاذ على أنه نتيجة قوى غيبية وأرواح شريرة حتى تعددت التفسيرات كلاً حسب توجهه واهتماماته، فالعالم والطبيب "لمبروز" كان يرى أن هناك علاقة بين بعض الصفات البيولوجية (العضوية) والسلوكيات العدوانية واستنادا لهذه الصفات يمكن التنبؤ بسلوكيات الأشخاص، أما علماء الاجتماع فقد كانت نظريتهم تجمع على أن السلوك العدواني هو ذلك المنافي والمضاد لعادت وتقاليد المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد بغض النظر إذا كان هذا السلوك تتفق عليه كل المجتمعات الإنسانية أو لا! فالسلوك السوي في مجتمعٍ ما من الممكن أن يكون محرم أو سلوك عدواني في مجتمع أخر!! أما الاتجاه النفسي فقد بداء متعثرا ً ومتخبطاٍ في تفسير العدوان بعض الشيْ حتى ظهر سيغموند فرويد.
كان أب علم النفس العالم سيغموند فرويد قد أعلن منذ أن خطت أنامله نظرية علم النفس التحليلي ( أن ورى كل سلوك عدواني اتجاه النفس أو الأخرين خبرات تراكمية تكونت في مراحل الحياة الأولى من حياة الأنسان) مستثنياً في هذه النظرية المرضى العقلياً ومدمنين المخدرات ومن لديهم أسباب واضحة لميولهم العدوانية. نظر فرويد إلى السلوك العدواني بأنه دافع داخلي نتج عن الخبرات التي تعرض لها الأنسان ولم تتعامل مع أركان الشخصية الثلاثة (الأنا والأنا العليا والهو) بشكل متناسق مع تلك الخبرات لتبلوره ومن ثما تحدد سمات الشخصية المستقبلية للفرد والتي تكون عادة ثابتة إلى حداً ما ، ولهذا يظهر لنا المجرم بالفطرة، حتى ذلك المعتدي أو المجرم بالصدفة لم يعتدي لأنه كان ساهياً أو جاهلا بتبعات تصرفه بل لأن القدرة على السيطرة التي كان من المفترض أن تنمو في مرحلة معينة من مراحل الحياة لم تصقل بعد. لذلك كثير ما نقف مكتوفي الأيدي نتسأل عن أسباب الاعتداء فلا نجد أي مبرر لما حصل ! هذا التحليل هو في الواقع قريب من أغلب تفسيرات المدارس النفسية في مجملها، مما جعل الكثير من المتعاملين مع حالات الإيذاء من المتخصصين في علم النفس أو الطب النفسي يرى أن العقاب الموجه للمُعتدي ليس كافياً من وجهة نظر نفسية.
عندما يشترك الطبيب/ الأخصائي النفسي في تقّيم الاعتداء على الطفل أو البالغ فهذا ليس بالأمر الروتيني بل مطّلب للوصول للتشخيص المناسب الذي يبحث في خفايا النفس ويرى هل الأنا (النفس المطمئنة المعتدلة المتوازنة) قد قامت بدورها في ضبط كلاً من الهو(النفس الأمارة والدافعة إلى الرغبات و الغرائز) و الأنا العليا (وهي الضمير الحي والأخلاق العالية) فالشخص عندما تسيطر الهو أو بعض غرائزه عليه تتسم أفعاله بالاعتداء فمثلاً عندما تطغي غريزة الجنس لدى الأنسان يظهر لنا الاعتداء الجنسي في حين نجد أن سيطرت غريزة المقاتلة وحب التملك قد تؤدي إلى العدوان الجسدي أو اللفظي أو حتى النفسي. هذا النوع من الشخصيات لم تعد تلعب الأنا المعتدلة دور التوازن والتنسيق بين كلاّ من الهو و الأنا العليا فتفلت منها زمام الأمور وتفقد السيطرة على الشخصية ويظهر لنا ما يسمى بالمُعتّدي. هذا التفسير النفسي يظهر كما ذكرنا سلفاّ عندما تفقد الأسباب المحسوسة أو للاعتداء والتي تكون عادة من السهل الحصول عليها، لذلك التفسير النفسي لأي نوع من أنواع الاعتداء في المجمل يستغرق الوقت الكثير لاستنتاج الأسباب والعمل على معالجتها وتجفيف مصادرها وهذي الطريقة الأفضل والأسلم من وجهة نظر العاملين في مجال الصحة النفسية لضمان عدم تكرار الاعتداء و الوقاية من العوامل والأسباب المؤدية إلى الأعتداء.
الأخصائية النفسية أ.نورة الأحمري
قسم الخدمات المجتمعية والتوعية، برنامج الأمان الأسري الوطني